وقد أطال (قدس سره) في ذلك ، ومرجع كلامه ـ على غموض فيه ، وجري على مسلك أهل المعقول ـ إلى عدم اشتمال موارد التكاليف الشرعية على إرادة أو كراهة تشريعيتين كي يمتنع تخلفها ، بل ليس موضوع الإرادة والكراهة فيها إلا نفس البعث والزجر. إلا أن يكونا هما المرادين بالإرادة والكراهة التشريعيتين ، فلا مشاحة في الاصطلاح.
وفيه : ـ مع ما سبق من عدم اختصاص الإشكال بالأحكام الشرعية ، بل يجري في تكاليف الموالى العرفيين ، الذين اعترف بإمكان الإرادة التشريعية في حقهم ـ أن توقف الإرادة التشريعية لفعل الغير على وصول نفع منه للمريد غير ظاهر الوجه. بل كما أمكن تعلق الإرادة التكوينية بفعل ما لا يصل نفعة إلى المريد ـ لفرض كماله ـ أمكن ذلك في الإرادة التشريعية.
والتحقيق : أن منشأ التكليف من الشارع الأقدس وغيره ليس من سنخ الإرادة التكوينية ، التي هي في الحيوان عبارة : عن الشوق المستتبع لتحريك العضلات نحو المراد. ومن الله تعالى ما يشارك ذلك في النتيجة ، وهي : السعي لتحقيق المراد ، التي يعبّر عنها شرعا وعرفا بالمشيئة. بل هو أمر آخر قد يطلق عليه الإرادة شرعا وعرفا ، إما بنحو الاشتراك اللفظي ، أو مجازا بلحاظ مشاركته في الجملة للمعنى المتقدم في العلّية للمراد ، وإن لم تكن عليته تامّة ، بل بنحو الاقتضاء ، وليكن هو المراد بالإرادة التشريعية. ونظيره في ذلك الكراهة التشريعية.
وتوضيح ذلك : أنه لا بد في انتزاع التكليف من نحو من العلاقة بين المكلّف والمكلّف تقتضي متابعة الثاني للأول وموافقته ، سواء كان اقتضاؤها بحكم العقل تبعا لذاتيهما ـ كالمولى الحقيقي عزّ وجلّ مع عبيده ـ أم لأمر