وعلى كل فإن إيتاء المال فضلا عن الزكاة ، مع حب المال أمر مرغب فيه شرعا بلا شك عملا بهذه الآية ، وبحديث أبي هريرة قال : «جاء رجل إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله ، أي الصدقة أفضل؟ فقال : أن تصدّق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقير ، وتأمل الغنى ، ولا تمهل ، حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت : لفلان كذا ، ولفلان كذا ، وقد كان لفلان». وعن ابن مسعود في قوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) قال : أن تؤتيه وأنت صحيح ، تأمل العيش ، وتخشى الفقر.
ويؤيد الاتجاه الأول القائل بأن إيتاء المال على حبه هو تطوع حديث : «نسخت الزكاة كل صدقة» يعني وجوبها.
ويكون لإنفاق المال صورتان : صورة الزكاة المفروضة : وهي إعطاء المال على كيفية مخصوصة ، وبقدر معين. وصورة الزكاة المطلقة : وهي إعطاء المال من غير تقييد بمقدار معين ولا تحديد بامتلاك نصاب ، بل ترك تقييده وتحديده لحال الأمة وأفرادها. فإذا ما أعطي المال بصورتيه ، أمكننا القضاء على ظاهرة الفقر ، وحققنا المقصود من التكافل الاجتماعي في الإسلام ، وحينئذ نستغني عن استيراد المبادئ الاشتراكية الغربية أو الشرقية التي ظهرت لعلاج عيوب الرأسمالية الطاغية ، وأمكننا الوصول إلى الحل الوسط المعقول الذي لا يقوم على الإجبار والإكراه أو نزع الملكية جبرا عن الملاك ودون تعويض ، وإنما يتوخى الإبقاء على علاقات الود والحب والتعاطف بين الأغنياء والفقراء ، ويعتمد على المنهج الأمثل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ، قال الله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ، سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران ٣ / ١٨٠] أي لا تحسبن البخل خيرا لهم ، بل هو شر لهم.