ومخالفة الأوامر الإلهية ، وهم في صفوفهم وتحركاتهم الجماعية منصهرون ماديا وفعليا بمعنى المساواة ، دون تفرقة بين سيد ومسود وحاكم ومحكوم وغني وفقير ، ومتجردون من مظاهر الدنيا وزينتها ، فلا تكاد تجد في أنحاء العالم تجمعا كثيفا ومؤتمرا عالميا ، مثل مؤتمر الحج كل عام ، حيث تجد فيه مختلف الجنسيات والألوان والألسنة من كل أنحاء العالم.
ويبين الله تعالى في هذه الآيات بعض أحكام الحج وهي :
١ ـ إتمام الحج والعمرة : أي أداؤهما تامين كاملين لا ينقصهما شيء من شروطهما وأفعالهما من غير أن يفعل أثناءهما شيء من المحظورات ، ظاهرا بأداء المناسك على وجهها المطلوب شرعا ، وباطنا بالإخلاص لله تعالى دون قصد شيء دنيوي. والتعبير بالإتمام مشعر بأن المسلمين قد شرعوا فيهما ، وبدؤوا في العمرة سنة ست وصدوا عنها ، ولذلك تسمى العمرة التي وقعت في سنة سبع عمرة القضاء. ودل قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) على وجوب القضاء على من أحصر بمرض أو عدو إذا حل منهما بالهدي ، في رأي الحنفية ، لأن الأمر في الآية يقتضي الإيجاب بالشروع في العبادة ، والمراد بقوله (وَأَتِمُّوا ..) تمامهما بعد الشروع فيهما. وقال مالك والشافعي : إن أحصر المحرم بعدو ، فحلّ فلا قضاء عليه في الحج ولا العمرة ، والمراد بالآية : أداؤهما والإتيان بهما ، كقوله : (فَأَتَمَّهُنَ) وقوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ).
٢ ـ اتفق العلماء على فرضية الحج ، واختلفوا في العمرة ، بالرغم من الأمر إتمامهما في هذه الآية. فقال الشافعية والحنابلة : العمرة واجبة كالحج ، لقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وقوله : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ، فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وقوله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ ، فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) [البقرة ٢ / ١٥٨]. ولما روي في