قال الشافعية : فرض الغائب إصابة عين الكعبة ، لأن من لزمه فرض القبلة ، لزمه إصابة العين ، كالمكي ، ولقوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي أنه يجب عليه التوجه إلى الكعبة ، فلزمه التوجه إلى عينها كالمعاين.
وقال الجمهور غير الشافعية : فرض الغائب إصابة جهة الكعبة ، لقوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه الترمذي وابن ماجه : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة ، ولأنه لو كان الفرض إصابة عين الكعبة ، لما صحّت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو ، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة ، فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها. ويؤكده قول ابن عباس رضياللهعنهما : الكعبة قبلة من في المسجد ، والمسجد قبلة من خارجه في مكة ، ومكة قبلة سائر الأقطار. وهذا مأخوذ من حديث سيأتي.
قال القرطبي : استقبال الجهة هو الصحيح لثلاثة أوجه :
الأول ـ أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف.
الثاني ـ أنه المأمور به في القرآن ، لقوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي في أي مكان كنتم من الأرض في شرق أو غرب ، فاتجهوا شطر المسجد الحرام.
الثالث ـ أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت (١). وهذا هو الراجح لدي ، لعدم إمكان استقبال العين ، وللتيسير على الناس ، روى ابن عباسرضياللهعنهما أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «البيت قبلة
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢ / ١٦٠