لتحقق الاستقبال والتوجه شطر المسجد الحرام ، وأما النظر إلى هذه المواضع فلمنع المصلي أن يتشاغل في الصلاة بغيرها إذا لم يحصر بصره في هذه الجهات التي عينوها للنظر. وبهذا الأمر : (فَوَلِّ وَجْهَكَ ..) نسخ التوجه إلى بيت المقدس.
وأرشدت الآية (١٤٥) إلى أن زحزحة أهل الكتاب عن دينهم أو قبلتهم أمر ميئوس منه ، مهما حاول الإنسان إقناعهم ، لأنهم كفروا وقد تبين لهم الحق ، ولا تنفعهم الآيات ، أي العلامات الدالة على صدق رسالة الإسلام ووجوب اتباعه ، وأنه لو أقام النبي عليهم كلّ دليل على صحة ما جاءهم به ، لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧].
وقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) لفظ خبر ، ويتضمن الأمر ، أي فلا تركن إلى شيء من ذلك.
ثم أخبر الله تعالى أن اليهود ليست متّبعة قبلة النصارى ، ولا النصارى متّبعة قبلة اليهود ، وهذا دليل على اختلافهم وتدابرهم وضلالهم.
والخطاب في قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ ..) للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بعض أمته ، وهو من يجوز أن يتّبع هواه ، فيصير باتباعه ظالما ، وليس يجوز أن يفعل النّبي صلىاللهعليهوسلم ما يكون به ظالما ، فهو محمول على إرادة أمته ، لعصمة النّبي صلىاللهعليهوسلم ، ويقيننا أن ذلك لا يكون منه ، وخوطب النّبي صلىاللهعليهوسلم تعظيما للأمر ، ولأنه المنزل عليه القرآن. وكذلك قوله تعالى : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي الشاكّين ، الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد أمته.
ومما يوضح عناد أهل الكتاب واستكبارهم عن قبول الإسلام أو الحق : أنهم ولا سيما علماؤهم يعرفون نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وصدق رسالته ، كما يعرفون أبناءهم ،