فقال الجمهور (مالك والشافعي وأحمد) : إنه ركن ، فمن لم يسع كان عليه حج قابل ، لقوله عليه الصلاة والسّلام فيما رواه أحمد عن صفية بنت شيبة : «اسعوا ، فإن الله كتب عليكم السعي» وكتب بمعنى أوجب ، مثل قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) ، وقوله عليه الصلاة والسّلام : «خمس صلوات افترضهن الله على العباد» رواه أبو داود والبيهقي عن عبادة بن الصامت.
وقال الحنفية : السعي واجب ، فإن تركه أحد حتى يرجع إلى بلاده ، جبره بدم ، أي بذبح شاة مثل شاة الأضحية ، لظاهر الآية التي رفعت الإثم عمن تطوف بين الصفا والمروة ، ووصفت ذلك بالتطوع ، فقالت : (وَمَنْ تَطَوَّعَ) يعني بالتطوف بينهما ، ولما رواه الشعبي عن عروة بن مضراس الطائي ، قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمزدلفة ، فقلت : يا رسول الله ، جئت من جبل طي ، ما تركت جبلا إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج؟ فقال عليه الصلاة والسّلام : «من صلّى معنا هذه الصلاة (١) ، ووقف معنا هذا الوقف ، وقد أدرك عرفة قبل ـ ليلا أو نهارا ـ فقد تم حجه ، وقضى تفثه» (٢) قالوا : فهذا يدل على أن السعي ليس بركن من وجهين :
أحدهما ـ إخباره بتمام حجته ، وليس فيها السعي.
الثاني ـ أنه لو كان من أركانه لبينه للسائل ، لعلمه بجهله الحكم.
والظاهر أن الآية لا تدل لأحد الفريقين ، لأن سببها كما علمنا هو رفع الجناح على من تطوف بالصفا والمروة ، بعد أن كانوا يتحرجون من السعي بينهما ، لوجود صنمين أو وثنين (إساف ونائلة) عليهما في الجاهلية ، وكانوا يتمسحون بهما ويطوفون من أجلهما ، فأبان الله أنه يطاف بهما من أجل الله ، وأنهما
__________________
(١) يحتمل صلاة العيد
(٢) قضى مناسك الحج