من شعائره. وقوله : «ومن تطوع خيرا» يحتمل بالتطوف بهما ، ويحتمل بالزيادة على الفرض من التطوف بهما ، فلم يبق من مستند في هذه المسألة إلا السنة ، وروي فيها آثار مختلفة ، فيرجح بينها بحسب الأصول ، والراجح لدي رأي الجمهور للأحاديث التي استدلوا بها وهي مصرحة بفرضية السعي. وقوله تعالى : (وَمَنْ تَطَوَّعَ) إشارة إلى أن السعي واجب ، فمن تطوع بالزيادة عليه ، فإن الله تعالى يشكر ذلك له.
وآية كتمان ما أنزل الله التي نزلت في أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمدصلىاللهعليهوسلم ، وقد كتم اليهود أمر رجم الزناة المحصنين ، ليست خاصة بهم ، وإنما العبرة بعموم اللفظ ، والمراد كل من كتم الحق ، فهي عامة في كل من كتم حكما شرعيا ، أو علما نافعا ، أو رأيا صحيحا خالصا نافعا للأمة ، ويدل عليه ما أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة وعمرو بن العاص عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من سئل عن علم يعلمه ، فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار». وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران ٣ / ١٨٧] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة ٢ / ١٧٤] فهذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم يتضمن تحريم الكتمان والتحريف ، وفي آيات أخرى تصريح إيجابي وأمر واضح في الحث على بيان العلم ونشره ، وإن لم يذكر الوعيد ، مثل : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة ٩ / ١٢٢].
والحاصل : إذا قصد العالم كتمان العلم عصى ، وإذا لم يقصده ، لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه معروف لدى غيره. وأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ ، لهذه الآيات والحديث المتقدم.