أما اللجوء إلى الله وحده الذي لا إله غيره ، ولا ندّ له ، ولا شريك معه ، فهو المحقق للغاية ، لأن الله هو صاحب السلطان المطلق ، والقدرة الشاملة ، والرحمة الواسعة ، ولكن لا بدّ للعبد من اتخاذ الأسباب المساعدة على إجابة الدعاء ، فمن قصر في اتخاذ الأسباب اعتمادا على الله فهو جاهل بالله ، كما أن من التجأ إلى غير الله من الأصنام والأوثان فهو مشرك بالله تعالى.
لذا كان المؤمنون أشد حبّا لله من كل ما سواه ، ولا يتشكك المؤمن في عدالة الله إطلاقا ، فلا يشرك به شيئا ، ويلجأ إليه في جميع أموره ، وهو مستقر دائم حال الشدة وحال الرخاء في حب الله وتعظيمه ، فلا يعدل عنه إلى غيره ، بخلاف المشركين ، فإنهم يعدلون عن أندادهم إلى الله عند الشدائد ، فيفزعون إليه ، ويخضعون له ، ويتخذون أندادهم وسائط بينهم وبين الله ، فيقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ويعبدون الصنم زمانا ، ثم يرفضونه إلى غيره ، أو يأكلونه كما أكلت باهلة إلهها من حيس (١) عام المجاعة.
ثم أوعد أو توعد الله تعالى المشركين الظالمين لأنفسهم بذلك ، فقال :
لو يشاهد الذين ظلموا أنفسهم باتخاذهم الأنداد وإشراكهم بالله ، وقت صبّ العذاب الشديد عليهم ، لعلموا حينئذ أن القوة لله وحده ، وأنه المتصرف في الأكوان والموجودات كلها ، من البشر والحجر والصنم وغيرها ، في كل حال وزمان ، سواء في عالم الآخرة أو عالم الدنيا.
لو علموا هذا وأدركوا مصالحهم حق الإدراك ، لانتهوا عماهم فيه. وأما حال الأتباع والمتبوعين يوم القيامة فيستدعي الدهشة والعجب ، والسخرية والهزء ، لأن الرؤساء المتبوعين المعبودين كالملائكة والجن والإنس يتبرءون أو يتنصلون من أتباعهم ، لأن الواحد منهم يهتم بإنقاذ نفسه ، ولأنه لم يرض بما يفعله
__________________
(١) الحيس : تمر يخلط بسمن أو أقط.