(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام ٦ / ١٥٣] وحذر الله المؤمنين من التفرق مذاهب شتى في الاعتقاد وأصول الدين ، فقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ، وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ، إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام ٦ / ١٥٩].
أما الاختلاف في الفهم ، والاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية من النصوص ، والاعتماد على الكتاب والسنة ، فليس معيبا ، وإنما يثاب كل من المجتهدين : المخطئ والمصيب ، ويمكن للدولة أن تختار من بين الآراء الاجتهادية ما يناسب عصرها وزمانها ويحقق مصلحتها التي هي مصلحة الأمة العامة والعليا ، لأن «تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة» أي المصلحة العامة. وهذا الاختلاف في الفهم لا يؤدي إلى تمزيق وحدة الأمة ، ولا يقتضي الشقاق والنزاع الناجم عن الاختلاف في أصول الشرع الإلهي.
وقد أوعد الله الناس على أمور ثلاث : كتمان الحق ، والمتاجرة في الدين ، والاختلاف الجذري في أصول الدين. أما كتمان الحق : فيؤدي إلى النار والعذاب الدائم وعدم الظفر بالمغفرة ، كما قال الله تعالى عن علماء اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمدصلىاللهعليهوسلم وصحة رسالته.
وأما المتاجرة في الدين : فتستوجب النار أيضا ، وعجبا لنفر من الناس يتحملون عذاب الله الشديد ، فما أشجعهم وما أجرأهم على النار ، إذ يعملون عملا يؤدي إليها.
ذلك العذاب المستحق لهم عنوان العدل والحق ، ولم ينزل الله هذا القرآن إلا بالحق ، لإقراره ونشره والإذعان له.
وأما الاختلاف الجذري في الدين : فإنه يجسّد الفرقة والخلاف ، ويمنع