ولكن من لطف الله بعباده الذين أخطئوا هذه المرة أن عفا عنهم ، ولم يستأصلهم بالمعصية والمخالفة ، والله ذو فضل دائم على المؤمنين بالعفو والمغفرة ، قال ابن عباس : ما نصر النبي صلىاللهعليهوسلم كما نصر يوم أحد ، فأنكر الصحابة ذلك ، فقال لهم : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله عزوجل ، إن الله عزوجل يقول في أحد : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) والحسّ : القتل.
ولم يكن فرار المسلمين في أحد مقبولا ؛ لأن القائد وهو النبي صلىاللهعليهوسلم ما يزال صامدا يقاتل في قلب المعركة ، ويدعو الفارّين إلى العودة والكرّ ، فلما لم يرجعوا جازاهم الله بالغم والحزن وهو القتل والجراح وعدم الظفر بالغنيمة ، بسبب الغم والضيق الذي ملأ قلب النبيصلىاللهعليهوسلم لمخالفتهم إياه. وسمي الغم ثوابا كما سمي جزاء الذنب ذنبا.
ولكن فضل الله ورحمته بالمؤمنين بعد هذا الغم ألقى عليهم النعاس أو النوم ليشعرهم بالأمن وليجددوا عزائمهم وترتاح نفوسهم من بعد هذه الهزيمة. أما المنافقون فظلوا في قلقهم واضطرابهم لا ينامون ولا يشعرون بالطمأنينة والأمن ، ويقولون : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) استفهام معناه الجحد والإنكار ، أي ما لنا شيء من أمر الخروج ، وإنما خرجنا كرها ، بدليل قولهم : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) قال الزبير : أرسل علينا النوم ذلك اليوم ، وإني لأسمع قول معتّب بن قشير ، والنعاس يغشاني يقول : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا). وقيل : المعنى : يقول ليس لنا من الظّفر الذي وعدنا به محمد شيء.
فرد الله تعالى عليهم : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) أي النصر بيد الله ، ينصر من يشاء ، ويخذل من يشاء. والأجل والعمر بيد الله ، وما من ميت إلا ويموت بأجله ، سواء في الحرب وساحاتها ، أم في المنازل والمضاجع وغرفها وحدائقها. وهكذا كان أهل غزوة أحد بعد انتهائها فريقين :