الوصول إلى الحرم ، سواء أكان بدنيا أم ماليا أم بدنيا وماليا ، فالبدني : كالمرض والخوف على النفس من العدو ومن السّباع ، أي ألا يكون الطريق مأمونا. والمالي كفقد الزّاد والرّاحلة إذا كان ممن يتعسّر عليه الوصول إلى البيت إلا بزاد وراحلة. والبدني والمالي معا : فقد الزّاد والراحلة والمرض أو عدم أمن الطريق.
وقد اتّفق أكثر العلماء على أنّ الزّاد والرّاحلة شرطان في الاستطاعة ، بدليل ما رواه علي عن النّبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال فيما رواه الترمذي من حديث ضعيف : «من ملك زادا وراحلة تبلّغه بيت الله ، ولم يحجّ ، فلا عليه أن يموت يهوديّا أو نصرانيّا» ، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). وفسّر الصحابة كابن عمر وغيره استطاعة السبيل : بالزّاد والرّاحلة.
(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) أي من جحد كون هذا البيت أول بيت وضع للعبادة ، ولم يمتثل أمر الله في الحجّ ، فإن الله غير محتاج إليه ، إذ هو الغني عن جميع العالمين. والجمهور حملوا ذلك على تارك الحجّ إعراضا عنه مع توافر الاستطاعة ، بدليل قولهصلىاللهعليهوسلم فيما رواه الترمذي وفيه ضعف : «من مات ولم يحجّ ، فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا». وبدليل ما روي عن الضّحّاك في سبب النزول قال : لما نزلت آية الحج جمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الأديان الستّة : المسلمين واليهود والنصارى والصابئين والمشركين والمجوس وقال فيما رواه أحمد وسلم والنسائي : «إنّ الله كتب عليكم الحج ، فحجّوا» فآمن به المسلمون ، وكفر به الباقون ، وقالوا : لا نؤمن به ولا نصلّي ولا نحجّ ، فأنزل الله قوله تعالى: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).
والغرض من الآية والأخبار التنفير من ترك الحجّ والتغليظ على المستطيعين حتى يؤدّوا الفريضة.