فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآية الأولى إلى أن البيت الحرام أول بيت وضعه الله للعبادة ، بناه إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام.
وهو يمتاز بمزايا عديدة هي وجود مقام إبراهيم عليهالسلام ، وكونه ذا بركة وخير كثير ، ومصدر هداية للناس ، وسبب وحدة المسلمين لاتّجاههم إليهم في صلاتهم ، وموضع أمن وسلام لمن دخله في الدّنيا : بمنع قتله والاعتداء عليه ، وفي الآخرة : يكون آمنا من النّار ، لقضاء النّسك معظّما له ، عارفا بحقّه ، متقرّبا إلى الله تعالى.
وأرشدت الآية الثانية إلى فرضيّة الحجّ على المستطيع الذي لم يجد مانعا من الوصول إلى البيت الحرام ، وهو فرض في العمر مرّة ، وتكراره كل خمس سنوات سنّة ، لحديث في هذا المعنى أخرجه ابن حبّان في صحيحة والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضياللهعنه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول الله عزوجل : إن عبدا صححت له جسمه ، ووسّعت عليه في المعيشة ، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ المحروم» أي من الأجر ومطرود من رضوان الله.
ودلّ الكتاب والسّنة على أنّ الحجّ على التّراخي ، لا على الفور ، وهو مذهب الشافعية ومحمد بن الحسن ، قال القرطبي : وهو الصحيح ؛ لأن الله تعالى قال : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) [الحج ٢٢ / ٢٧] وسورة الحج مكيّة ، وقال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران ٣ / ٩٧] ، وهذه السورة نزلت عام أحد بالمدينة سنة ثلاث من الهجرة ، ولم يحجّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى سنة عشر. وورد في السّنة ما يدل على فرضية الحج مثل حديث ضمام بن ثعلبة السعدي قدم على النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فسأله عن الإسلام ، فذكر الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج.
واختلف في وقت قدومه ، فقيل : سنة خمس ، وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة تسع.
قال ابن عبد البرّ : ومن الدّليل على أن الحج على التراخي : إجماع العلماء