فقه الحياة أو الأحكام :
قال مجاهد : وهذه الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق ، فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها ، فنهوا عن ذلك ، ثم نسخ بقوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة ٢ / ٢٢٠].
وليس المراد بالآية إيتاء اليتامى أموالهم في حال اليتم ، وإلا تعرضت للضياع ، وإنما يجب الدفع إليهم بعد البلوغ وإيناس الرشد ، عملا بالآية التالية : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ، فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) [النساء ٤ / ٦]. قال الجصاص الرازي الحنفي : أطلق الله تعالى في آية : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) إيجاب دفع المال من غير قرينة الرشد ، ومتى وردت آيتان إحداهما خاصة مضمنة بقرينة فيما تقتضيه من إيجاب الحكم ، والأخرى عامة غير مضمنة بقرينة ، وأمكن استعمالهما على فائدتهما ، لم يجز لنا الاقتصار بهما على فائدة إحداهما ، وإسقاط فائدة الأخرى.
ثم ذكر الجصاص رأي أبي حنيفة : وهو وجوب تسليم المال إلى اليتيم إذا بلغ خمسا وعشرين سنة على أي حال كان ، فإذا بلغها ولم يؤنس منه رشد ، وجب دفع المال إليه ، لقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) فيستعمله بعد خمس وعشرين سنة على مقتضاه وظاهره ، وفيما قبل ذلك لا يدفعه إلا مع إيناس الرشد ، لاتفاق أهل العلم على أن إيناس الرشد قبل بلوغ هذه السن شرط وجوب دفع المال إليه (١).
وقال أبو حنيفة : لما بلغ رشده صار يصلح أن يكون جدّا ، فإذا صار يصلح أن يكون جدا ، فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم وباسم اليتم؟! وهل ذلك إلا في غاية البعد؟
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص : ٢ / ٤٩