يوصيكم الله ويأمركم بذلك ويعهد إليكم به عهدا للعمل به وتنفيذه ، والله عليم حليم ، عليم بمصالح عباده وبمضارهم وبمن يستحق الميراث ومن لا يستحق ، وبمقدار المستحق ، حليم لا يعجل بالعقوبة على من عصاه ، فأضرّ في الوصية بالورثة أو بالدّائنين ، أو حرم أحدا من النساء والأطفال حقه في الإرث.
وفي هذه الخاتمة المؤثرة بمن أصغى إليها وفهمها : إشارة إلى أنه تعالى شرع المواريث على هذا النحو ، وهو يعلم ما فيها من الخير والمصلحة ، فمن الواجب الإذعان لوصايا الله وفرائضه ، والتزام منهجه وحدوده ، فلا ينبغي الاعتداء وهضم الحقوق ، أو التعديل في أنظمة الإرث كإعطاء المرأة مثل الرجل ، كما في بعض الدّول الإسلامية أخذا بأعراف فاسدة لمصادمتها للنصوص القرآنية القطعية ، أو محاكاة لأنظمة الغرب وقوانين البشر ، زعما بأن ذلك عدل يقتضي المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة ، لكن لا عدل بعد عدل الله ، ولا رحمة فوق رحمة الله ، فإن افتتاح الآيات بقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) دليل على أنه تعالى أرحم بالناس من الوالدة بولدها ، حيث أوصى الوالدين بأولادهم ، ويؤيده الحديث الصحيح : «لله أرحم بعباده من هذه بولدها».
أحكام أخرى من آيات المواريث :
١ ـ قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) بيان لما أجمل في قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) و (لِلنِّساءِ نَصِيبٌ) فدل على جواز تأخير البيان عن وقت السؤال. وهذه الآية ركن من أركان الدين ، وعمدة من عمد الأحكام ، وأم من أمّهات الآيات ، فإن الفرائض عظيمة القدر ، حتى إنها ثلث العلم ، وروي نصف العلم ، وهو أول علم ينزع من الناس وينسى. أخرج الدار قطني عن أبي هريرة رضياللهعنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «تعلموا الفرائض وعلّموه الناس ، فإنه نصف العلم ، وهو أول شيء ينسى ، وهو أول شيء ينتزع من أمتي».