ودلّت الآية وهذا الحديث على عظيم فائدة الاعتراف بالذّنب والاستغفار منه ، أخرج الشّيخان في صحيحيهما ، قال صلىاللهعليهوسلم : «إن العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تاب إلى الله ، تاب الله عليه». وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا ، لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون ، فيغفر لهم» وهذه فائدة اسم الله تعالى : الغفار والتّواب.
أنواع الذّنوب : الذّنوب التي يتاب منها : إما كفر أو غيره ، فتوبة الكافر : إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره ، وليس مجرّد الإيمان نفسه توبة. وغير الكفر إما حقّ الله تعالى ، وإما حقّ لغيره.
فحقّ الله تعالى يكفي في التّوبة منه التّرك ، لكن مع القضاء كالصّلاة والصّوم ، أو مع الكفارة كالحنث في الأيمان والظهار وغير ذلك.
وأما حقوق الآدميين : فلا بدّ من إيصالها إلى مستحقيها ، فإن لم يوجدوا تصدّق عنهم. فإن كان معسرا فعفو الله مأمول وفضله مبذول.
وليس على الإنسان إذا لم يذكر ذنبه ويعلمه : أن يتوب منه بعينه ، ولكن يلزمه إذا ذكر ذنبا تاب منه.
ودلّ قوله : (وَلَمْ يُصِرُّوا) على أنّ الإنسان يؤاخذ بما وطّن عليه بضميره ، وعزم عليه بقلبه من المعصية. وهذا يدلّ على أنّ الهم بالمعصية يؤاخذ عليه إن وطّن نفسه عليها(١). وأما معنى قوله عليه الصّلاة والسّلام في الحديث الصحيح : «من همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة» أي لم يعزم على عملها ، فإن أظهرها أو عزم عليها عوقب عليها. وفي التّنزيل : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحجّ ٢٢ / ٢٥] عوقبوا قبل فعلهم بعزمهم.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٤ / ٢١٥