وكذلك تجب طاعة أهل القرآن والعلم أي الفقهاء والعلماء في الدين. وقال ابن كيسان : هم أولو العقل والرأي الذين يدبرون أمر الناس. والأصح الرأي الأول ؛ لأن أصل الأمر من العلماء والحكم إليهم. والعقل وإن كان مؤيدا للدين وعمادا للدنيا ، فلا يتفق مع ظاهر اللفظ.
فإن حدث التنازع بين الأمة وبين الأمراء ، رد الحكم إلى كتاب الله ، أو إلى رسوله بالسؤال في حياته ، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلىاللهعليهوسلم ، وذلك نظير قوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء ٤ / ٨٣] وقوله : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النور ٢٤ / ٦٣] ومدعاة ذلك : الإيمان بالله وباليوم الآخر ، وعاقبة الرجوع إلى القرآن والسنة ومآله أو مرجعه هو خير من التنازع.
واستنبط العلماء من هذه الآية أن مصادر التشريع الأصلية أربعة وهي : الكتاب والسنة والإجماع والقياس ؛ لأن الأحكام إما منصوصة في كتاب أو سنة ، وذلك قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) والسنة : هي ما أثر عن النبي صلىاللهعليهوسلم من قول أو فعل أو تقرير ، وإما مجمع عليها من أهل الحل والعقد من الأمة بعد استنادهم إلى دليل شرعي اعتمدوا عليه ، وذلك قوله : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وإما غير منصوصة ولا مجمع عليها ، وهذه سبيلها الاجتهاد والقياس : وهو عرض المسائل المتنازع فيها على القواعد العامة في الكتاب والسنة ، وذلك قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ).
وأما المصادر التبعية الأخرى كالاستحسان الذي يقول به الحنفية ، والمصالح المرسلة التي يقول بها المالكية ، والاستصحاب الذي يقول به الشافعية ، فهي في الحقيقة راجعة إلى المصادر الأربعة الأصلية.