بقدر ، ولا يائسين من حدوث نكسة ما ، أما ما روى الحاكم عن عائشة «لا يغني حذر من قدر» فلا يتناقض مع أخذ الحذر ؛ لأن الحذر داخل في القدر ؛ إذ القدر : هو جريان الأمور على وفق السّببية أي أن المسببات تأتي عادة على قدر الأسباب ، والحذر من جملة الأسباب ، فهو عمل بالقدر.
(فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) أي فانهضوا للقتال جماعة إثر جماعة ، فصائل وفرقا وسرايا ، أو انهضوا جميعا متعاضدين كلكم حسبما ترون من قوة العدو وحاله. وهذا يعني كون الأمة على استعداد دائم للجهاد ، وهذا نظير قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال ٨ / ٦٠].
لكن بعضا منكم في ساحة الجبهة الداخلية قد يتخلف عن الجهاد ، وقد يعرقل مسيرة المجاهدين ، وقد يعوق أو يسعى لتثبيط العزائم عن الجهاد ، وهؤلاء هم المنافقون وضعاف الإيمان والجبناء.
أما المنافقون فلا يرغبون في القتال ؛ لأنهم لا يحبون الإسلام وأهله ، وأما الجبناء وضعاف الإيمان فيترددون في المشاركة بالجهاد خورا وضعفا وجبنا.
وهؤلاء يصطادون في الماء العكر ويستغلون النتائج والوقائع ، فإن أصابتكم مصيبة كقتل أو هزيمة ، فرحوا فرحا شديدا بنجاة أنفسهم ، وحمدوا الله على أن لم يكن أحدهم حاضرا في المعركة ، يعدون ذلك من نعم الله عليهم ، ولم يدروا ما فاتهم من الأجر في الصبر ، أو الشهادة إن قتلوا.
وإن أصابكم فضل من الله ، أي نصر وظفر وغنيمة قالوا ـ وكأنهم ليسوا من أهل دينكم ـ : يا ليتنا اشتركنا في القتال لنحظى بسهم من الغنيمة.
وهم في الحالين ضعاف العقول ، قاصرو النظر ، ضعاف الإيمان جبناء ، لذا وبّخهم الله تعالى وقرّعهم بعبارة لطيفة تدلّ على انقطاع صلتهم بالمسلمين وهي :