(وَقالُوا : رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ ، لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ). ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم ، يعلم أن الآجال محدودة ، والأرزاق مقسومة ، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين سامعين طائعين ، يرون الوصول إلى الدار الآخرة خيرا من المقام في الدّنيا ، على ما هو معروف من سيرتهم رضياللهعنهم.
أما ما رواه النسائي والحاكم في سبب النزول فيحتاج إلى تحقق ونظر ، ويستبعد أن يكون عبد الرّحمن بن عوف المبشّر بالجنّة ممن يقول القول المتقدّم.
ومما أرشدت إليه الآية ما يأتي :
١ ـ الدّنيا وما فيها من متع ولذات وشهوات قليلة فانية محدودة ، والآخرة بما فيها من نعيم مقيم وخلود في الجنان خير لمن اتّقى المعاصي. قال النّبي صلىاللهعليهوسلم : «مثلي ومثل الدّنيا كراكب قال قيلولة (١) تحت شجرة ثم راح وتركها».
٢ ـ الموت أمر محتم لا يتأخر عمن انتهى أجله ، سواء أكان في الحصون المحصنة في الأراضي المبنية ، أم في ساحات المعركة ، وموت خالد بن الوليد على فراشه أكبر عبرة.
وبعبارة أخرى : الآجال متى انقضت لا بدّ من مفارقة الرّوح الجسد ، كان ذلك بقتل أو موت أو غير ذلك مما أجرى الله العادة بزهوقها به.
٣ ـ اتّخاذ البلاد وبناؤها وتشييد العمارات للمعيشة فيها وحفظ الأموال والنّفوس هي سنّة الله في عباده. وهو من أكبر الأسباب وأعظمها ، وقد أمرنا بها ، واتّخذها الأنبياء وحفروا حولها الخنادق عدّة وزيادة في التّمنع ، وذلك أبلغ ردّ على قول من يقول : التّوكل ترك الأسباب.
٤ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا : هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَإِنْ
__________________
(١) القيلولة : النوم في الظهيرة ، والفعل : قال ، فهو قائل.