وعجنه ، فهو مجرّد اجتهاد برأيه ، لا تجب طاعته فيه.
وكان الصحابة رضياللهعنهم إذا شكّوا في الأمر ، أهو وحي من عند الله أم اجتهاد من الرّسول؟ سألوه ، فإن كان وحيا أطاعوه بلا تردّد ، وإن كان رأيا من عنده ، ذكروا رأيا آخر وأشاروا بما هو أولى ، كما حدث في غزوتي بدر وأحد ، وربما رجع إلى رأيهم.
ومن أعرض عن طاعتك خاب وخسر ، وليس عليك من أمره شيء ، وليس لك أن تكرهه على ما تريد ، إن عليك إلا البلاغ ، لست عليهم بمسيطر ، والخسران لاحق به ، كما جاء في الحديث الصحيح : «من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله ، فإنه لا يضر إلا نفسه».
ثم أخبر الله تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة ، فيقولون : أمرنا طاعة لك ، أو أمرك طاعة أي أمرك مطاع ، نفاقا وانقيادا ظاهرا ، فإذا خرجوا من مكانك وتواروا عنك ، دبروا ليلا فيما بينهم رأيا غير ما أظهروه لك. روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس أنه قال : هم ناس يقولون عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم : آمنا بالله ورسوله ، ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ، وإذا برزوا من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم خالفوا إلى غير ما قالوا عنده ، فعاتبهم الله على ذلك.
والله يعلم ما يبيتون ، ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين الذين هم موكلون بالعباد. والمعنى في هذا التهديد أنه تعالى يخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم ، وما يتفقون عليه ليلا من مخالفة الرسول صلىاللهعليهوسلم وعصيانه ، وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة ، وسيجزيهم على ذلك.
فأعرض عنهم ، أي اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم ولا تهتم بمؤامراتهم ، ولا تكشف أمورهم للناس ، ولا تخف منهم أيضا. وتوكل على الله أي فوض الأمر