يقاتلوكم ، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم ، بل هم لا لكم ولا عليكم ، وهم بتعبير العصر : المحايدون ، فهم لا يقاتلون المسلمين بمقتضى العهد ، ولا يقاتلون قومهم ، حفاظا على أصل الرابطة العرقية أو الجنسية معهم ، فهم قومهم ، وهم بذلك معذورون.
وكلا الفريقين يعاملون بقوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ، وَلا تَعْتَدُوا ، إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة ٢ / ١٩٠].
وكان من رحمة الله ولطفه بكم أن سالموكم وكفّ بأس هذين الفريقين عنكم ، ولو شاء الله لسلطهم عليكم بأن يلهمهم القتال فيقاتلوكم.
فإن اعتزلكم هؤلاء وأمثالهم فلم يقاتلوكم ، وألقوا إليكم المسالمة ، فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك. وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين ، فحضروا القتال ، وهم كارهون ، كالعباس ونحوه ، ولهذا نهى النبي صلىاللهعليهوسلم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره. قال الزمخشري : فقرر أن كفهم عن القتال أحد سببي استحقاقهم لنفي التعرض عنهم وترك الإيقاع بهم.
ثم بيّن الله تعالى حكم جماعة أخرى موافقة في الظاهر للفئة السابقة ، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك ، فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه الإسلام ، ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم (النساء والصبيان) ويصانعون الكفار في الباطن ، فيعبدون معهم ما يعبدون ، ليكونوا في أمان من المسلمين ، وهم في الباطن مع الكفار (١) ، كما قال تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ) [البقرة ٢ / ١٤] وقال هاهنا : (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) أي كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين ، أركسوا فيها ، أي قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه وانهمكوا فيها ، وكانوا شرا فيها من كل عدو ، كما قال
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٥٣٣