وأثبت فقهاء الأمصار وجمهور أئمة المذاهب شبه العمد بما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ألا إن دية الخطأ شبه العمد : ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل ، منها أربعون في بطونها أولادها» لكنه حديث مضطرب عند المحدثين. ذكر ابن عبد البرّ أنه لا يثبت من جهة الإسناد.
واختلف القائلون بشبه العمد في تحديده وبيان ما هو عمد على أقوال ثلاثة :
الأوّل ـ قال أبو حنيفة : العمد : ما كان بالحديد ، وكل ما عدا الحديد من القضيب أو النار وما يشبه ذلك فهو شبه العمد (١).
الثاني ـ قال أبو يوسف ومحمد : شبه العمد ما لا يقتل مثله.
الثالث ـ قال الشافعي : ما كان عمدا في الضرب ، خطأ في القتل ، أي ما كان ضربا لم يقصد به القتل ، فتولد عنه القتل. وأما الخطأ فما كان خطأ فيهما جميعا ، وأما العمد : فما كان عمدا فيهما جميعا.
ويعتمد الفقهاء في إثبات العمد وشبهه والخطأ على الآلة التي بها القتل ؛ لأن نيّة القاتل لا اطلاع لنا عليها ، فأقيمت الآلة مقام النيّة. وكان الأولى هو البحث عن ظروف القتل وقرائن الأحوال لتعلم نيّة القاتل أهو عمد أم مخطئ.
واختلفوا في الدّية المغلظة على القتل شبه العمد : فقال عطاء والشافعي ومالك في المشهور عنه ، فيما يقول فيه بشبه العمد ، وهو قتل الوالد ولده : هي ثلاثون حقّة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون خلفة (٢).
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص الرازي : ١ / ٢٢٨ وما بعدها.
(٢) الحقّة : إذا دخلت الناقة في السنة الرابعة ، والجذعة : إذا دخلت في السنة الخامسة. والخلفة. الحامل. وابنة المخاض : ما كان لسنة ، وابنة اللبون : ما كان لسنتين.