وإذا فسّر قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ : لَسْتَ مُؤْمِناً) بالتّحية ، فلا مانع أيضا ؛ لأن سلامه بتحيّة الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده ، ويحتمل أن يراد به الانحياز والتّرك. فإن قال : سلام عليكم ، فلا ينبغي أن يقتل أيضا حتى يعلم ما وراء هذا ؛ لأنه موضع إشكال. ولا يكفي في رأي مالك أن يقول : أنا مسلم أو أنا مؤمن ، أو أن يصلّي ، حتى يتكلّم بالكلمة العاصمة التي علّق النّبي صلىاللهعليهوسلم الحكم بها عليه في قوله : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله» (١).
أي أن الكلمة الفاصلة بعد التحية بالسّلام أو برؤيته يصلي هو أن يقول : لا إله إلا الله. وهذا في شأن إنهاء الحرب ومنع القتل والقتال ، فيكتفى بالحكم بالظاهر ، وليس في قضية أن الإيمان هو الإقرار فقط ، كما حاول بعضهم الاستدلال بالآية ، وإنما حقيقة الإيمان : التّصديق بالقلب ، بدليل أن المنافقين كانوا يقولون هذا القول : «لا إله إلا الله» وليسوا بمؤمنين.
وفي الآية نصّ صريح على أن هدف المؤمنين من الجهاد كما شرع الله هو إعلاء كلمة الله تعالى ، لا من أجل التّوصل إلى المغانم الحربية أو العروض الدّنيوية أو المكاسب المادية ، فإن الله وعد بالرّزق والمغانم الكثيرة من طرق أخرى حلال دون ارتكاب محظور ، فلا تتهافتوا.
التفاضل بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ
__________________
(١) المرجع السابق : ٥ / ٣٣٩ ، أحكام القرآن لابن العربي : ١ / ٤٨١ وما بعدها.