ولأن النّبي صلىاللهعليهوسلم التزم القصر في أسفاره كلها ، فقد روي عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا خرج مسافرا ، صلّى ركعتين حتى يرجع. وروي عن عمران بن حصين : حججت مع النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فكان يصلّي ركعتين حتى يرجع إلى المدينة ، وقال لأهل مكة : صلّوا أربعا فإنّا قوم سفر. وقال ابن عمر فيما رواه الشيخان : صحبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم في السفر ، فلم يزد على ركعتين ، وصحبت أبا بكر وعمر وعثمان رضياللهعنهم في السفر ، فلم يزيدوا على ركعتين حتى قبضهم الله ، وقد قال الله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب ٣٣ / ٢١] ، وقال : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف ٧ / ١٥٨] ، ولو كان مراد الله التّخيير بين القصر والإتمام ، لبيّن ذلك كما بيّنه في الصوم.
وأما ما ورد عن عثمان فقد اعتذر عنه بأنه قد تأهل (أقام) فقال : إنّما أتممت لأني تأهلت بهذا البلد ، وقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من تأهّل ببلد فهو من أهله».
وأجاب الزمخشري عن آية (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا) بقوله : كأنهم ألفوا الإتمام ، فكانوا مظنّة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر ، فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه (١).
واختلف العلماء في المراد بالقصر هنا ، أهو القصر في عدد ركعات الصلاة أم هو القصر من هيئتها (٢)؟
فقال جماعة : إن القصر قصر عدد الركعات ، لما روى مسلم عن يعلى بن
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٤٢٠ وما بعدها.
(٢) أحكام القرآن للجصاص : ١ / ٢٥١ وما بعدها ، أحكام القرآن لابن العربي : ١ / ٤٨٨ ، تفسير القرطبي : ٥ / ٣٦٠