نعم ، قد يدرك العقل بنفسه في بعض الموارد قبح التكليف ، وأنه ظلم ينزه عنه تعالى ، كالتكليف واقعا بما لا يطاق ، وظاهرا مع الجهل المطلق ـ لا عن تقصير ـ حتى بوجوب الاحتياط ، الذي هو مرجع البراءة العقلية.
وذلك ينفع في معرفة حدود التكليف الشرعي الواقعية ، ومعرفة الوظيفة الظاهرية العملية.
إلا أن ذلك خارج عن محل كلامنا ، للتسالم على عدم التكليف بما لا يطاق ، بنحو لا يهتم بإثباته من طريق الملازمة ، ولعدم نهوض البراءة العقلية بمعرفة الحكم الواقعي ، لتكون من الأدلة التي هي مورد البحث ، وإنما هي أصل عملي يبحث عنه في محل آخر.
نعم ، يتجه دخولها في محل الكلام لو كان المراد من الأدلة ما يعم دليل الوظيفة الظاهرية العملية. ولعله لذا خص بعضهم دليل العقل بالبراءة الأصلية.
بقي شيء ، وهو أن صاحب الفصول وإن نفى الملازمة الواقعية بين حكم العقلي بحسن الشيء أو قبحه وحكم الشرع على طبقه ، كما تقدم ، إلا أنه ذهب إلى الملازمة بينهما ظاهرا ، بمعنى أنه يبنى ظاهرا على حكم الشرع بما حكم به العقل ما لم يثبت خلافه من قبل الشارع الأقدس.
مستدلا على ذلك بوجهين :
أولهما : إطلاق الآيات المتقدمة.
ثانيهما : أن العقل بعد أن يدرك مقتضي الحكم لا يعتد باحتمال المانع.
لكن الوجه الأول حيث لا يرجع لحكم العقل ، بل لظهور الأدلة النقلية فهو خارج عن مورد البحث ، ولا يسعنا إطالة الكلام في ذلك ، لأن نتيجته أحكاما فرعية لا قاعدة اصولية ، ولعدم اختصاص الأدلة المناسبة بالآيات المذكورة ، واستقصاء الكلام في جميعها وفي مقتضى الجمع بينها في أنفسها وبينها وبين غيرها يحتاج إلى جهد كثير ووقت طويل.