المبحث الأول
في الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته
قد اختلفت كلماتهم في تحرير مورد النزاع في المقام ، فحرر في كلام جماعة من المتأخرين بالوجه الذي ذكرناه ، وهو البحث في الملازمة بين الوجوبين ، وبذلك لا تكون المسألة فرعية فقهية ، لعدم البحث فيها عن نفس الحكم الشرعي ، بل اصولية لوقوعها في طريق استنباط الحكم المذكور في الموارد المتفرقة التي يفرض فيها وجوب شيء ما له مقدمة.
وأما القدماء ، فقد حررها جملة منهم بعنوان البحث في وجوب مقدمة الواجب. وذلك قد يوهم كونها فرعية ، للبحث فيها عن نفس الحكم الشرعي الفرعي ، وهو وجوب المقدمة. وقد منع جماعة من ذلك ، لوجوه لا تخلو عن إشكال أو كلام لا يسع المقام استقصاءه.
ولعل الأولى في تقريب عدم كونها فرعية أن يقال : وحدة المسألة الفرعية موقوفة على وحدة الحكم الفرعي الذي يبحث عنه فيها ، ووحدة الحكم تابعة لوحدة الموضوع بعنوانه الذي اخذ فيه عند جعل الحكم ، ومن الظاهر أنه لا حكم للشارع بوجوب المقدمة بما هي مقدمة ، لأن العنوان المذكورة تعليلي لا تقييدي ، لعدم تضمن الأدلة الشرعية له ، وإنما استفيد الحكم ـ على تقدير ثبوت وجوب المقدمة ـ من حكم العقل ، والعقل لا يرى لهذا العنوان دخلا في الحكم بنفسه ، بل تمام الموضوع ذات المقدمة على اختلاف مواردها ، لأن الواجب يتوقف عليها بذواتها وخصوصياتها ، لا بالعنوان المذكور ، فموضوع الحكم الشرعي هو مصاديق المقدمة المختلفة بخصوصياتها ، ولازم ذلك تعدد الأحكام الشرعية بعددها.