لليهود : «إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة» أي أن المشهور بين المفسرين أن الله تعالى رفع عيسى بروحه وجسده إلى السماء ، وقال الرازي : المراد رافعك إلى محل كرامتي ، وجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم والتعظيم ، ومثله قوله تعالى عن إبراهيم : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) [الصافات ٣٧ / ٩٩] وإنما ذهب إبراهيم صلىاللهعليهوسلم من العراق إلى الشام ، والمراد من كل ذلك التفخيم والتعظيم ، وتدل الآية (وَرافِعُكَ إِلَيَ) على أن الرفعة بالدرجة والمنقبة ، لا بالمكان والجهة ، كما أن الفوقية في قوله : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [آل عمران ٣ / ٥٥] ليست بالمكان ، بل بالدرجة والرفعة (١).
ثم دلل سبحانه وتعالى على قدرته على حماية عيسى من الصلب وإنقاذه من اليهود والروم الظالمين ورفعه إليه بقوله : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي إن الله عزيز لا يغلب ، حكيم في صنعه وفي جميع ما يقدره ويقضيه من الأمور التي يخلقها. ويجازي كل عامل بعمله ، ومن جزائه لليهود في الدنيا ما أحل بهم من الذلة والمسكنة والتشريد في الأرض.
هذه عقيدتنا في صلب المسيح ورفعه مستقاة من أوثق مصدر في الوجود وهو القرآن الكريم كلام الله ، المنقول إلينا بالتواتر ، فلا مجال لتصديق روايات أخرى لم تثبت صحتها ، بل إن ما فيها من تناقض واختلاف كثير يدل على الشك فيها ثم القطع بأنها ليست محل ثقة.
ثم إن القول بعدم الصلب أكرم وأفضل لكرامة عيسى عليهالسلام ، وأما القول بأنه صلب ليجعل نفسه فداء للبشرية والعالم ، وليكفر عن خطيئة آدم عليهالسلام وخطايا أبنائه ، فهو من أوهام المسيحية ، ومن القصص الروائية في الأناجيل التي دونتها أيدي البشر ؛ لأن الله تعالى أناط التخلص من الخطيئة
__________________
(١) تفسير الرازي : ٨ / ٦٩