لذا قال تعالى آمرا النصارى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) [المائدة ٥ / ٤٧] وقال هنا : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) أي وأعطيناه الإنجيل فيه الهداية للأحكام العملية والضياء لأصول العقيدة ، كالتوحيد ونبذ الشرك والوثنية ، والإنجيل كالقرآن مصدق للتوراة ، والله جعل الإنجيل هاديا وواعظا المتقين ، لأنهم الذين ينتفعون به.
ويلاحظ أن تكرار جملة (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) لمعنيين مختلفين ، الأول : أن المسيح يصدق التوراة ، والثاني : أن الإنجيل يصدق التوراة.
وأما تكرار كلمة (هُدىً) فالمراد بها أولا : بيان الأحكام والشرائع والتكاليف ، والنور : بيان التوحيد والنبوة والمعاد ، وأما المقصود بها ثانيا : فهو أن الإنجيل يدل دلالة ظاهرة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهو سبب لاهتداء الناس إلى رسالة الإسلام ؛ لاشتماله على البشارة بمجيء محمد صلىاللهعليهوسلم النبي الأخير «البارقليط» الأعظم.
وأما كون الإنجيل مختصا بعظة المتقين فلاشتماله على النصائح والمواعظ والزواجر البليغة المتأكدة ، وإنما خصها بالمتقين ؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بها ، كما في قوله تعالى عن القرآن (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١) [٢ لبقرة ٢ / ٢].
وبعد بيان خصائص الإنجيل أمر تعالى بالعمل به فقال : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) أي وقلنا : ليعمل النصارى بالأحكام التي أنزلها الله فيه ، كما قال تعالى في أهل التوراة : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها). والمقصود من الأمر بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن : هو زجرهم عن تحريف ما في الإنجيل وتغييره ، مثلما فعل اليهود بإخفاء أحكام التوراة.
__________________
(١) المرجع السابق : ١٢ / ٩