المناسبة :
بعد أن ذكر تعالى بعض قبائح اليهود ومخازيهم من مسارعتهم في الإثم والعدوان وأكل السحت ونحو ذلك من جمع المال من حلال أو حرام ، ذكر هنا أقبح مخازيهم وصفاتهم وسيئاتهم ، بجرأتهم على ربهم ، ووصفه بالبخل ، مما لا يقول به عاقل ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
التفسير والبيان :
وصفوا الله تعالى بأنه فقير وهم أغنياء ، ووصفوه بالبخل بقولهم : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) أي قال بعض اليهود ـ لما أصيب بأزمة مالية بسبب تكذيبه النبي صلىاللهعليهوسلم ـ ، ونسب إلى الأمة لتكافلها فيما بينها ـ : إن الله بخيل. وغل اليد : مجاز عن البخل ، ويد الله مغلولة : بخيلة وبسطها : كناية عن الجود والكرم.
فهم لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة ، ولكن يقولون : بخيل يعني أمسك ما عنده من موارد الرزق بخلا ، قال تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ، فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء ١٧ / ٢٩] يعني أنه ينهى عن البخل وعن التبذير وهو زيادة الإنفاق في غير محله.
ورد الله عزوجل عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه ، ودعا عليهم بالبخل والطرد من رحمته ، فقال : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) وهو دعاء عليهم بالبخل والنكد والإمساك عن الخير ، فكانوا أبخل خلق الله وأنكدهم. ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة ، يغللون في الدنيا أسارى ، وفي الآخرة معذبين بإغلال جهنم.
وأثبت الله تعالى في رده عكس ما يقولون فقال : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ)(١)(يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) أي بل هو الجواد الواسع الفضل ، الجزيل العطاء الذي ما من
__________________
(١) نؤمن باليد من غير تشبيه ولا تجسيم ، والظاهر هنا إرادة الإنعام على الجملة (تفسير ابن عطية ٤ / ٥٠٩ ، ٥١٢).