وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت ٤١ / ٤٤] وقال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء ١٧ / ٨٢].
روى الطبري عن قتادة قال في آية : (وَلَيَزِيدَنَّ ..) : حملهم حسد محمدصلىاللهعليهوسلم والعرب على أن كفروا به ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم (١). وكان من جزاء الله لهم على نكدهم ما قاله : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ ..) أي وألقينا بين فئات اليهود والنصارى العداوة والبغضاء ، فكل فرقة منهم تخالف الأخرى كما قال تعالى : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر ٥٩ / ١٤] والتاريخ القديم والحديث يثبت ذلك بوقائع الحروب العنصرية والدينية والاستعمارية الكثيرة الوقوع. ولا يغترن أحد بتوافق اليهود في فلسطين ، فذلك أمر وقتي.
وكلما هموا بالكيد للرسول والمؤمنين الصادقين وإثارة الفتن والحروب بين الأمم في الداخل والخارج ، خذلهم الله ، ورد كيدهم عليهم ، فإما أن يخيب مسعاهم ، أو ينصر المؤمنين عليهم.
وهم في مساعيهم يسعون في الأرض فسادا ، أي من سجيتهم أنهم دائما يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، والله لا يحب من كانت هذه صفته ، بل يبغضه ويعاقبه ويسخط عليه.
ثم فتح الله تعالى باب الأمل والتوبة أمامهم فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا ..) أي لو أنهم آمنوا بالله ورسوله ، واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم ، لكفرنا عنهم سيئاتهم التي اقترفوها ، ولأدخلناهم جنات النعيم التي ينعمون بها ، أي لأزلنا عنهم المحذور وأنلناهم المقصود.
__________________
(١) تفسير الطبري : ٦ / ١٩٥