ويحلّ لكم ما علمتم من الجوارح ، أي يحلّ لكم اقتناء تلك الحيوانات المعلّمة وبيعها وهبتها ، ويحلّ لكم صيودها ، لقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ، وقوله : (مُكَلِّبِينَ) أي حال كونكم معلّمين ومؤدبين ، فهو حال من فاعل (عَلَّمْتُمْ) ، وقوله : (تُعَلِّمُونَهُنَ) حال من فاعل علمتم أو من الضمير في (مُكَلِّبِينَ) أي حال كونكم تعلمونهن مما علمكم الله.
ويفهم منه أنه لا بدّ في التعليم من أمور ثلاثة :
١ ـ أن تكون الجوارح معلّمة.
٢ ـ وأن يكون من يعلّمها ماهرا في التّعليم مدرّبا فيه.
٣ ـ وأن يعلم الجوارح مما علمه الله ، بأن تقصد الصيد بإرسال صاحبها ، وأن تنزجر بزجره ، وأن تمسك الصيد ولا تأكل منه إذا كان المعلّم كلبا ، وأن يعود الكلب إلى صاحبه متى دعاه إذا كان طيرا مثل البازي. ويعرف تعليم الكلب بترك الأكل ثلاثا ، ويعرف تعليم البازي بالرجوع إلى صاحبه إذا دعاه ، والفرق بينهما أن تعليم الكلب يكون بترك ما يألفه ويعتاده ، وعادة الكلب السّلب والنّهب ، فإذا ترك الأكل ثلاثا عرف أنه تعلّم ، وعادة البازي النّفرة ، فإذا دعاه صاحبه فعاد إليه ، عرف أنه تعلّم.
(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) أي فكلوا من الصيد ما تمسكه الجوارح عليكم دون أن تأكل منه ، فإن أكلت منه فلا يحلّ أكل الفاضل عنه في رأي الجمهور ؛ لحديث عدي بن حاتم عند أحمد والشيخين أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا أرسلت كلابك المعلّمة ، وذكرت اسم الله ، فكل مما أمسكن عليك ، إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه» وفي رواية : «إذا أرسلت كلبك المعلّم فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك ، فأدركته حيّا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله ، فإن أخذ الكلب ذكاة».