المبحث الثاني : في التوكيد
التّوكيد تابع يقرّر متبوعه ، ويرفع توهّم غير الظّاهر من الكلام باحتمال التّجوّز ، أو السّهو ، وهو نوعان : لفظيّ ومعنويّ.
فالتّوكيد اللّفظيّ يكون بإعادة اللّفظ الأوّل بعينه ، أو بمرادفه وهو يشمل الاسم (ظاهرا) نحو : جاء الأمير الأمير ، والصّابرون الصّابرون هم الفائزون أو (ضميرا) نحو : جئت أنا والفعل نحو : سقطت سقطت بابل والحرف نحو : لا لا أبوح بالسّرّ والجملة. نحو (١) : ظهر الحقّ ظهر الحقّ والمرادف نحو : فاز انتصر الجيش ونحو : أنت بالخير حقيق قمن.
والتّوكيد المعنويّ يكون لتوكيد النّسبة (بالنّفس والعين) مضافتين إلى ضمير المؤكّد ، نحو : جاء القاضي نفسه ، وابنة الأمير عينها ويكون لتوكيد الشّمول (بكل وكلا وكلتا وجميع وعامّة) مضافات إلى ضمير المؤكّد أيضا ، (وبأجمع) مفردة ، فيقال : جاء القوم كلّهم ، والرّجلان كلاهما ، والمرأتان كلتاهما ، والتّلاميذ جميعهم ، وأحسنت إلى فقراء البلدة عامّتهم ، ولقيت الجيش أجمع.
«فالنّفس والعين» يؤتى بهما لتثبيت مضمون الكلام ، ويؤكد بهما المفرد وغيره مذكّرا ومؤنّثا على الإطلاق. غير أنّهما تفردان مع المفرد ، وتجمعان مع المثنّى والمجموع في الأفصح ، فيقال : جاء الرّجل نفسه ، أو عينه ، وجاء التلميذان أنفسهما ، أو أعينهما ، وجاء الأساتذة أنفسهم ، أو أعينهم.
وكلا وكلتا تؤكّدان المثنى. فالأولى للمذكر منه. والثانية للمؤنث منه نحو :
__________________
(١) الجملة المؤكدة كثيرا ما تقترن بعاطف نحو : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٤) (ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٥) ما لم يقع التباس نحو : ضربت زيدا ثم ضربت زيدا فيمتنع ذلك لأنه يوهم أن الضرب قد تكرر مرتين ، وهو خلاف المقصود. والضمير المرفوع المنفصل يحتمل أن يؤكد به كل ضمير متصل مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، فيقال : جئت أنا وضربتك أنت ، ومررت به هو.
واعلم أن التوكيد اللفظي لا يعاد ولا يتكرر في كلام العرب أكثر من ثلاث.
وتنفرد النفس والعين ، بجواز جرّهما بباء زائدة نحو جاء صديقي بعينه ، وجاء الأستاذ بنفسه فتكون النفس مجرورة لفظا ، مرفوعة محلا على أنها توكيد الأستاذ.