التفسير والبيان :
جمعت الآية الأولى أصول الفضائل الثلاث وهي :
١ ـ الأخذ بالعفو : وهو السّهل من أخلاق الناس وأعمالهم ، دون تكليفهم بما يشق عليهم ومن غير تجسّس ، وإنما يؤخذ بالسّمح السّهل ، واليسر دون العسر ، كما ورد في الحديث الذي أخرجه أحمد والشّيخان والنّسائي عن أنس بن مالك عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يسّروا ولا تعسّروا ، وبشّروا ولا تنفّروا». ويدخل في العفو : صلة القاطعين أرحامهم ، والعفو عن المذنبين ، والرّفق بالمؤمنين ، وغير ذلك من أخلاق المطيعين.
وهذا هو الصّنف الأول من الحقوق التي تستوفي من الناس وتؤخذ منهم بطريق المساهلة والمسامحة ، ويشمل ترك التّشدد في كل ما يتعلّق بالحقوق المالية ، والتّخلّق مع الناس بالخلق الطّيّب ، وترك الغلظة والفظاظة ، كما قال تعالى : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران ٣ / ١٥٩] ومن هذا القسم : الدّعوة إلى الدّين الحق بالرّفق واللطف ، كما قال تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النّحل ١٦ / ١٢٥].
والخلاصة : إن المراد بالعفو : الأخذ باليسر والسّماحة ودفع الحرج والمشقة عن الناس في الأقوال والأفعال ، وما خيّر صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثما ، كما أخرج الترمذي ومالك.
٢ ـ الأمر بالعرف وهو المعروف والجميل من الأفعال : وهو كل ما أمر به الشرع ، وتعارفه الناس من الخير ، واستحسنه العقلاء ، فالمعروف : اسم جامع لكل خير من طاعة وبرّ وإحسان إلى الناس. وهذا هو النوع الثاني من الحقوق التي لا يجوز التّساهل والتّسامح فيه ، ويراد به ما هو معهود بين الناس في المعاملات والعادات. ولا يذكر المعروف في القرآن إلا في الأحكام المهمة ، مثل