المفردات اللغوية :
(مَثَلُ) صفة عجيبة تشبه المثل في الغرابة ، و (مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) : أي حالها العجيبة في سرعة انقضائها وذهاب نعيمها ، بعد إقبالها واغترار الناس بها (كَماءٍ) مطر (فَاخْتَلَطَ بِهِ) أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) من الزروع والقبول وغيرها (وَالْأَنْعامُ) من الحشيش (زُخْرُفَها) بهجتها من النبات ، والزخرف : كمال حسن الشيء (وَازَّيَّنَتْ) بالزهر وغيره من النباتات ، أي صارت ذات زينة (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) متمكنون من حصدها وتحصيل ثمارها وجني غلتها (أَتاها أَمْرُنا) قضاؤنا أو عذابنا ، فاجتاح زرعها (فَجَعَلْناها) جعلنا زرعها (حَصِيداً) كالمحصود أو المقطوع بالمناجل لا شيء فيها (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ) أي كأن لم يغن زرعها ، أي لم يلبث فلم تكن عامرة ، يقال : غني بالمكان : أقام به وعمره. (بِالْأَمْسِ) فيما قبله ، وهو مثل في الوقت القريب ، والمراد هنا زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضا (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فإنهم المنتفعون به.
المناسبة :
ذكر الله تعالى في الآية السابقة : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) ولما كان سبب بغي الناس هو حرصهم على الدنيا وإفراطهم في التمتع بنعيمها ، أتبعه بهذا المثل العجيب لمن يبغي في الأرض ويغتر بالدنيا ، ويعرض عن الآخرة ، فكأن الدنيا أرض سقيت ماء ، فأنبتت وأزهرت وأثمرت ، وحان وقت الحصاد ، ثم لم تلبث أن أصابتها فجأة جائحة ، فاستأصلتها.
وقد تكرر هذا التشبيه والمثل في القرآن كثيرا ، كقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ، ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ ، وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [الحديد ٥٧ / ٢٠].