(كَذلِكَ حَقَّتْ) أي كما صرف هؤلاء عن الإيمان ثبتت كلمة ربك أي حكمه (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) كفروا ، وهي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) أو هي (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
المناسبة :
بعد أن أبان الله تعالى جناية المشركين على أنفسهم باتخاذهم الأنداد والشركاء ، ذكر أدلة فساد مذهبهم وهو عبادة الأوثان ، وإذا فسد مذهبهم ثبت التوحيد ، بدليل إقرارهم بأن الرازق ومالك الحواس ، والمحيي والمميت هو الله تعالى ، فهو سبحانه يحتج على المشركين باعترافهم بوحدانية الله وربوبيته على وحدانية الألوهية.
التفسير والبيان :
قل أيها النبي لمشركي مكة وأمثالهم : من ذا الذي ينزل من السماء المطر ، فيكون سببا في إثبات الأرض بالزرع والزهر والشجر ، فيخرج منها حبا وعنبا وقضبا (البرسيم) وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا متشابكة وفاكهة كثيرة ونحو ذلك؟ كقوله تعالى : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ؟) [الملك ٦٧ / ٢١] فهي مصدر رزقكم ، بسبب بركات السماء والأرض ، فيرزقكم منهما جميعا ، دون اقتصار على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ويوسع رحمته.
ومن الذي أوجد لكم السمع والأبصار ، وغيرهما من الحواس ، فيملك خلقها وتسويتها على نحو بديع وتحصينها من الآفات ، ومن الذي وهبكم هذه القوة السامعة والقوة الباصرة ، ولو شاء لذهب بها وسلبكم إياها؟ كقوله تعالى : (قُلْ : هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) [الملك ٦٧ / ٢٣] فهي وسائل العلم والمعرفة وإدراك ما في هذا العالم.
وخص السمع والبصر ؛ لأنهما أهم الحواس ، وأداة تحصيل العلوم.