وثانيها ـ إسقاط شهادة أهل البادية عن الحاضرة ؛ لما في ذلك من تحقق التهمة. وأجازها أبو حنيفة قال : لأنها لا تراعى كل تهمة ، والمسلمون كلهم عنده على العدالة. وأجازها الشافعي إذا كان عدلا مرضيا ، قال القرطبي : وهو الصحيح.
وثالثها ـ أن إمامتهم بأهل الحاضرة ممنوعة ؛ لجهلهم بالسنة ، وتركهم الجمعة. وقال الشافعي والحنيفة : الصلاة خلف الأعرابي جائزة.
ومن الأعراب جماعة منافقون يعدون النفقة خسارة ، وينتظرون أن تحيط الدواهي والمصائب والحوادث بالمسلمين ليتخلصوا من الإنفاق. فقوله : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) يعني الموت والقتل ، وانتظار موت الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وانتصار المشركين. ولكن الأمر سيكون بالعكس مما يتوقعون ، فعليهم وحدهم دائرة العذاب والبلاء.
وبعض آخرون من الأعراب مؤمنون ، وصفهم الله بوصفين :
الأول : كونهم مؤمنين بالله واليوم الآخر ، وهذا دليل على أنه لا بد في جميع الطاعات حتى الجهاد من تقدم الإيمان.
والثاني : كونهم ينفقون أموالهم تقربا إلى الله تعالى ، وبقصد التوصل إلى صلوات الرسول صلىاللهعليهوسلم أي استغفاره ودعائه ؛ لأن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ، ويستغفر لهم ، كقوله : «اللهم صلّ على آل أبي أوفى» وقال تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) كما تقدم.
وقد شهد الله تعالى بقوله : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات ، أي إن نفقاتهم تقربهم من رحمة الله ، وذلك حاصل لهم ، وهو وعد من الله ، والله لا يخلف الميعاد.