وبدليل التحدي للعرب بأن يأتوا بمثل سورة من هذا القرآن ، إذا كان في زعمهم من كلام محمد صلىاللهعليهوسلم وهو بشر مثلهم ، وهم عرب فصحاء بلغاء مثله.
فالآية الأولى دلت على كون القرآن من عند الله تعالى ؛ لأنه مصدّق الذي بين يديه من الكتب ، وموافق لها ، من غير أن يتعلم محمد عليه الصلاة والسلام عن أحد.
والآية الثانية إلزام بسورة مثله إن كان مفترى. وهذا مناسب لما اشتهر به العرب من فصاحة وبلاغة وبيان ، فالقرآن معجزة الرسول صلىاللهعليهوسلم الخالدة في بيانه ونظمه وتشريعه وعلومه. كما أن كل معجزة لنبي تناسب العصر الذي عاش فيه ، مثل معجزة العصا واليد لموسىعليهالسلام في زمن برع فيه السحرة بفنون السحر ، ومعجزة عيسى عليهالسلام الذي بعث في زمان اشتهار علم الطب ، فكان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ، وهذا من غير علاج ولا دواء. لهذا جاء في الحديث الصحيح المتقدم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما من نبي من الأنبياء ، إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا».
ودلت الآية الثالثة : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) على انهيار موقف العرب من القرآن ، فهم قبل أن يتأملوا بما فيه كذبوا به تقليدا للآباء وإبقاء على عبادة الأوثان ، وبعد أن تأملوا وتدبروا فيه كذبوا به أيضا تمردا وعنادا ، وبغيا وحسدا ، وعجزا وضعفا من معارضته والإتيان بمثل أقصر سورة فيه في سلامة النظم والأسلوب والمعنى والحكم. لذا أنذرهم القرآن بالدمار والهلاك على ظلمهم كما أهلك الأمم الخالية بسبب تكذيب الرسل.