وكان في خطة موسى عليهالسلام بأن يبدأ السّحرة أولا بالإلقاء براعة وثقة بما لديه من المعجزة وعدم اكتراث بالسّحرة ، فإنّ كل ما فعلوه من لفت أنظار الناس وإخافتهم حينما ألقوا حبالهم وعصيهم ، محق وأبطل بإلقاء العصا التي انقلبت ثعبانا عظيما التهم جميع الحبال والعصي ، وصدق فيما أعلنه قبل المبارزة : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ، إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ).
وحينئذ أدرك السّحرة خسارتهم ، وعرفوا أنّ فعل موسى ليس من قبيل السّحر ، فهم أعرف الناس بفنونه ، فلم يعاندوا ، وشرح الله صدورهم للإيمان ، واستيقظ فيهم عنصر العقل والتّفكير ، ولم يرهبهم تهديد فرعون ، فأعلنوا إيمانهم بربّ موسى وهارون ، فأسقط في أيدي فرعون وملئه ، وخابوا وخسروا ، واستوجبوا نار جهنم بإصرارهم على الكفر.
والخلاصة المستنبطة من هذه الآية : أن السّحر تمويه وزيف باطل ، والله تعالى يحقّ الحقّ ويبطل الباطل ، ولو كره المجرمون ، أي الفجرة الكافرون.
ـ ٣ ـ
إيمان طائفة من بني إسرائيل بدعوة موسى
(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً