الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ، وفرّقوا بين كل والدة وولدها ، فحنّ بعضها إلى بعض ، وعلت الأصوات والعجيج ، وأخلصوا التوبة ، وأظهروا الإيمان ، وتضرعوا إلى الله تعالى فرحمهم وكشف عنهم ، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء يوم الجمعة (١). قال الطبري : خص قوم يونس من بين سائر الأمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب ، وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين. وقال الزجاج : إنهم لم يقع بهم العذاب ، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب ، ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.
أما يونس فقد ذهب مغاضبا لقومه الذين أرسل إليهم ؛ لإبطائهم عن تلبية دعوته ، والدخول فيما دعاهم إليه من الإيمان ، فهرب إلى الفلك المشحون ، من غير إذن الله تعالى.
ثم امتحنه الله تعالى بالإلقاء في اليم والتقام الحوت ، قال تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحانَكَ ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء ٢١ / ٨٧ ـ ٨٨].
فنبذه الله بالعراء وهو سقيم بعد أن مكث في بطنه ثلاثا أو سبعا أو أكثر أو أقل ، وحماه من هضم الحوت له ، وأنبت عليه شجرة من يقطين. ثم أرسله الله تعالى إلى مائة ألف أو يزيدون ، فآمنوا ، وقبل الله منهم إيمانهم.
وأما قوله تعالى : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) فمعناه المناسب للأنبياء المعصومين عن الخطأ : فظن أن لن نضيق عليه ، أي ظن أننا لن نلزمه بالذهاب إلى القوم الذين أرسل إليهم ، ولا نلجئه إلى تبليغ رسالة الله تعالى إليهم ، والمراد أنه تأول الأمر وهو أمر الذهاب إلى قومه على أنه أمر إرشاد لا أمر وجوب ، ولا
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٧ / ١٦٥ ، تفسير القرطبي : ٨ / ٣٨٤