وفي هذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم لم يقتصروا على إنكار نبوته ، بل تجاوزوا ذلك إلى إنكار الألوهية.
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) أي لله تعالى دعوة الصدق والدعاء والتضرع ، لا لغيره من الأصنام والأوثان والملائكة والبشر الذين اتخذوا آلهة. وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما : دعوة الحق : كلمة التوحيد : لا إله إلا الله ، أي لله من خلقه أن يوحّدوه ويخلصوا له.
وذكر في الكشاف وجهان للآية : الأول ـ إضافة الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل ، أي أن دعوة الإسلام دعوة الحق المختصة به. والثاني ـ إضافة الدعوة إلى الحق الذي هو الله عز وعلا أي أن الدعاء لله الحق الذي يسمع فيجيب (١).
وهذا وما قبله وعيد للكفار على مجادلتهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شأن الوعيد بالعقاب الذي هددهم به. قال أبو حيان عن (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) : والذي يظهر أن هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة ، كقوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) والتقدير : لله الدعوة الحق ، بخلاف غيره ، فإن دعوتهم باطلة ، والمعنى أن الله تعالى ، الدعوة له هي الدعوة الحق ، وهو رد على الكفار في إثبات آلهة مع الله ، فمن يدعو الله فدعوته هي الحق ، بخلاف أصنامهم التي جادلوا في الله لأجلها ، فإن دعاءها باطل لا يتحصل منه شيء ، فقال : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ).
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ..) أي إن الذين يدعون من دون الله الأصنام
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ١٦٢ قال أبو حيان : وهذا الوجه الثاني الذي ذكره الزمخشري لا يظهر ؛ لأن مآله إلى تقدير : الله دعوة الله وهذا التركيب لا يصح.
البحر المحيط : ٥ / ٣٧٦