التفسير والبيان :
فلما ذهبوا في المرة الثالثة ، فدخلوا مصر ، ودخلوا على يوسف عليهالسلام ، فقالوا مختبرين بذكر حالهم ، واستعطافهم ، وشكواهم إليه رقة الحال وقلة المال مما يرقق القلب : يا أيها العزيز ـ وكان أبوهم يرى أن هذا العزيز هو يوسف ـ قد أصابنا وأهلنا الضرر الشديد من الجدب والقحط والجوع وقلة الطعام ، وأتينا إليك بثمن الطعام الذي نمتاره ، وهو ثمن قليل أو رديء زيوف لا يروج بين التجار في الأسواق ، فأتم لنا الكيل كما عودتنا من إحسانك ، وتصدّق علينا بقبض هذه البضاعة المزجاة ، وتسامح فيها بعد أن تتغاضى عن قلتها أو رداءتها ، إن الله يجزي المتصدقين أحسن الجزاء ، فيخلف لهم ما ينفقون ، ويضاعف الثواب لهم.
وكان القصد من هذا الكلام الرقيق والتضرع والتذلل اختبار حال العزيز ، هل يرق قلبه ، ويظهر نفسه ، ويعلن عن شخصه؟ بعد أن ذكروا له ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام ، وما لدى أبيه من الحزن لفقد ولديه.
وقد نجحوا في هذا الاستعطاف ، فأخذته رقة ورأفة ورحمة على أبيه وإخوته ، وهو في حال الملك والتصرف والسعة ، فأجابهم بقوله ، مستفهما عن مدى استقباح فعلهم السابق بيوسف : هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه بنيامين؟ حيث ألقيتم يوسف في الجبّ ، وعرضتموه للهلاك ، وفرقتم بينه وبين أخيه ، وما عاملتم به أخاه من معاملة جافّة قاسية ، حال كونكم جاهلين قبح ما فعلتموه ، من عقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم والقرابة ، وذلك كما قال بعض السلف : كل من عصى الله فهو جاهل ، وقرأ : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) الآية [النحل ١٦ / ١١٩].
والمراد بهذا الاستفهام التقريع والتوبيخ ، ومراد يوسف تعظيم الواقعة ، أي ما أعظم ما ارتكبتم بيوسف ، كما يقال : هل تدري من عصيت؟ والصحيح أنه