أو غيرها ، وأكثر المفسرين على أنها مكة وأهلها ، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة ، يتخطف الناس من حولها ، ومن دخلها كان آمنا لا يخاف ، فجحدت بآلاء الله ، وأعظمها بعثة محمدصلىاللهعليهوسلم ، فأذاقها الله شدة الجوع والخوف ، بعد الرفاه والأمن ، وأبوا إلا معاندة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فدعا عليهم بقوله : «اللهم اشدد ووطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف» فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء وابتلوا بالقحط ، فاضطروا إلى أكل الجيف والكلاب الميتة والعظام المحرقة ، والعلهز : وهو وبر البعير المخلوط بدمه إذا نحروه. ثم قتل رؤساؤهم في بدر.
وقال الرازي : والأقرب أنها غير مكة ، لأنها ضربت مثلا لمكة ، ومثل مكة يكون غير مكة. أي أن هذا المثل عبرة لكل قرية ، وعلى التخصيص مكة إنذارا من مثل عاقبتها ، وهي مثل لكل قوم أنعم الله عليهم ، فأبطرتهم النعمة ، فكفروا وتولوا ، فأنزل الله بهم نقمته.
وقوله : (آمِنَةً) إشارة إلى الأمن ، وقوله : (مُطْمَئِنَّةً) إشارة إلى الصحة بسبب طيب الهواء والمناخ ، وقوله : (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) إشارة إلى الكفاية (١). وبعد أن وصفت القرية بهذه الصفات الثلاثة قال : (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) والأنعام جمع نعمة ، وهو جمع قلة ، أي أنها كفرت بأنواع قليلة من النعم ، فعذبها الله. والمقصود التنبيه بالأدنى على الأعلى ، فإذا كان كفران النعم القليلة موجبا العذاب ، فكفران النعم الكثيرة أولى بإيجاب العذاب.
وهذه الصفات ، وإن وصفت بها القرية ، إلا أن المراد في الحقيقة أهلها ،
__________________
(١) قال بعضهم مبينا أهمية هذه العناصر الثلاثة للحياة :
ثلاثة ليس لها نهاية |
|
الأمن والصحة والكفاية |