أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح ، فكيف يصير منسوخا (١)؟!
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) أي إن ربك كثير الخلق ، خلق كل شيء ، واسع العلم ، عليم بكل شيء ، وهذا تقرير للمعاد ، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة ، فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء ، العليم بما تبدد من الأجساد ، وتفرق في سائر أنحاء الأرض ، فالجميع صائرون إليه ، محاسبون بين يديه.
فقه الحياة أو الأحكام :
هاتان قصتان من قصص الأمم البائدة الظالمة المكذّبة لرسلها ، تهزّ أعماق البشر ، وتحرّك مشاعرهم ، وتوقظ ضرورة الصحوة والمبادرة إلى ساحة الإيمان وصلاح الأعمال.
فلقد كذب أصحاب الأيكة (قوم شعيب) رسولهم شعيبا ، مع أنهم كانوا يرفلون بالنعم والخيرات الكثيرة المغدقة ، فكانوا أصحاب غياض (٢) ورياض وشجر مثمر.
وظلت بحكمة الله تعالى آثار مدينة قوم لوط وبقعة أصحاب الأيكة ماثلة مشاهدة قائمة ، ليعتبر بهما من يمرّ عليهما.
وكذلك كذّب أصحاب الحجر (ديار ثمود بين المدينة وتبوك) نبيهم صالحا ، فلم يؤمنوا برسالته ، ومن كذب نبيا فقد كذب الأنبياء كلهم ؛ لأنهم على دين واحد في الأصول ، فلا يجوز التفريق بينهم.
وكان عقاب هؤلاء المكذبين وهو التدمير والإبادة والهلاك التام عبرة للمعتبرين ، ومثار تفكير وعظة للمتفكرين ، فما أغنت عنهم الأموال والحصون في
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٩ / ٢٠٦
(٢) الأيكة : الغيضة ، وهي جماعة الشجر ، والجمع : الأيك.