والشهور ، وتزيين السماء بالنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السموات ، نورا وضياء ، ليهتدى بها في الظلمات ، وكل منها يسير في فلكه بنظام دقيق وحركة مقدرة ، لا زيادة فيها ولا نقص ، وكل ذلك خاضع لسلطان الله وقهره ، كقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ ، يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [الأعراف ٧ / ٥٤].
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ ..) إن في المذكور كله دلالات على قدرته تعالى الباهرة وسلطانه العظيم ، لقوم يعقلون عن الله كلامه ، ويفهمون حججه.
والسبب في ختم الآية السابقة بقوله : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وختم هذه الآية بقوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) لأن دلالة الأدلة السماوية العلوية على قدرة الله ووحدانيته ظاهرة لا تحتاج إلا لمجرّد العقل دون تأمل ، وأما الأدلة الأرضية من الزرع والنخيل وغيرها فتحتاج في دلالتها على إثبات وجود الله إلى تفكر وتأمل وتدبر.
وبعد أن نبّه الله تعالى على معالم السماء ، نبّه على ما خلق في الأرض من عجائب فقال : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ ..) أي وما خلق لكم في الأرض من أشياء مختلفة الألوان والأشكال والمنافع والخواص من نباتات ومعادن وجمادات وحيوانات.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ..) أي إن في المذكور جميعه لدلالات على قدرة الله ، لقوم يذكّرون آلاء الله ونعمه ، فيشكرونه عليها ، وختمت هذه الآية الثالثة بالتذكر بعد ختم الأولى بالتفكر والثانية بالتعقل ؛ للتنبيه على أن المؤثر فيما وجد في الأرض هو الفاعل المختار الحكيم وهو الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن احتجّ تعالى على إثبات الإله أولا بأجرام السموات ، وثانيا ببدن الإنسان ونفسه ، وثالثا بعجائب خلقة الحيوانات ، ورابعا بعجائب طبائع