(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) أي ومن كان في الدنيا أعمى فليس المراد بالعمى الحقيقة ، وإنما المجاز هو عمى البصيرة ، فقد أستعير الأعمى لأعمى القلب أو البصيرة عن حجة الله وبيناته ، أو من لا يهتدي إلى طريق النجاة ، وهو دليل على وقوع المجاز في القرآن. (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أبعد طريقا عنه.
المناسبة :
لما ذكر الله تعالى أنواعا من كرامات الإنسان وأفضاله عليه في الدنيا ، ذكر من أحوال الآخرة وما فيها من تفاوت شديد بين أهل السعادة وأهل الضلال والانحراف عن معالم الهدى الإلهي وأنه تعالى يحاسب كل أمة بإمامهم ، أي بنبيهم فيقال : يا أمة إبراهيم ، يا أمة موسى ، يا أمة عيسى ، يا أمة محمد ؛ أو بكتابهم الذي أنزل على نبيهم ؛ أو بكتبهم التي فيها رصد أعمالهم ، وهو الأرجح.
التفسير والبيان :
اذكر يا محمد ذلك اليوم الذي نحاسب فيه كل أمة بإمامهم أي بكتاب أعمالهم ، وهو القول الأرجح كما ذكر ابن كثير ؛ لقوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس ٣٦ / ١٢] وقوله سبحانه : (وَوُضِعَ الْكِتابُ ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) [الكهف ١٨ / ٤٩] فالكتاب يسمى إماما لأنه يرجع إليه في تعرّف أعمالهم.
ويحتمل أن المراد (بِإِمامِهِمْ) أي بقائدهم الذي يأتمون به ، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء عليهمالسلام ، وأهل الكفر ائتموا بأئمتهم ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [القصص ٢٨ / ٤١]. إلا أن الراجح هو ما ذكر ابن كثير ، بدليل قوله تعالى بعده:
(فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ، فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) أي فمن أعطي من هؤلاء المدعوين كتابه بيمينه ، فأولئك يقرءونه بفرح وسرور بما فيه من العمل