ولما ذكر تعالى في الإسراء : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [٨٥] ناسب ذكر قصة موسى مع العبد الصالح الخضر ، كالدليل على ما تقدم. وقد ورد في الحديث : أنه لما نزل : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) قال اليهود : قد أوتينا التوراة فيها علم كل شيء ، فنزل : (قُلْ : لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ ...) [١٠٩].
ولما قال تعالى في الإسراء : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) [١٠٤] أعقبه في سورة الكهف بالتفصيل والبيان بقوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي ، جَعَلَهُ دَكَّاءَ ، وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) إلى قوله : (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) [٩٨ ـ ١٠٠] (١).
والخلاصة : أنه تعالى لما قال في آخر الإسراء : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) وذكر المؤمنين به أهل العلم ، وأنه يزيدهم خشوعا ، وأنه تعالى أمر بالحمد له وأنه لم يتخذ ولدا ، أمره تعالى بحمده على إنزال هذا الكتاب السالم من العوج ، القيم على كل الكتب ، المنذر من اتخذ ولدا ، المبشر المؤمنين بالأجر الحسن.
ثم استطرد إلى حديث كفار قريش ، والتفت من الخطاب في قوله : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) إلى الغيبة في قوله : (عَلى عَبْدِهِ) لما في عبده من الإضافة المقتضية تشريفه.
ما اشتملت عليه السورة :
استهلت السورة ببيان وصف القرآن بأنه قيم مستقيم لا اختلاف فيه ولا تناقض في لفظه ومعناه ، وأنه جاء للتبشير والإنذار.
ثم لفتت النظر إلى ما في الأرض من زينة وجمال وعجائب تدل دلالة واضحة على قدرة الله تعالى.
__________________
(١) تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي ٦٤ وما بعدها ، طبع دار الكتاب العربي ـ دمشق.