البحث
البحث في التفسير المنير
ولا شيء يعرف ، فدعا بلوح من رصاص ، فكتب فيه أسماءهم ، ثم طرح في خزانته ، ثم كان من شأن قصتهم ما قصه الله سبحانه وتعالى (١).
إصرارهم على توحيد الله :
(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا : رَبُّنا ..) أي صبرناهم على مخالفة قومهم ، وثبتناهم على عقيدتهم ، وألهمناهم قوة العزيمة ، حتى تركوا ما كان عليه قومهم من العيش الرغيد والسعادة ، وقالوا حين مثلوا أمام ملكهم الجبار الذي يدعى (دقيانوس) والذي كان يحث الناس على عبادة الأصنام والطواغيت ، ويدعوهم إليها ويأمرهم بها : ربنا هو رب السموات والأرض ، لن ندعو إلها من دونه مطلقا ؛ إذ لا رب سواه ، ولا معبود غيره ، وأن الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا لله الذي خلق السموات والأرض.
وقد أعلنوا في الجملة الأولى : (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) توحيد الألوهية ، وذلك يقرّ به عبدة الأصنام ، وفي الجملة الثانية : (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) توحيد الربوبية ، وذلك ما ينفيه عبدة الأصنام ، بدليل ما حكى القرآن : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان ٣١ / ٢٥] وقوله : (ما نَعْبُدُهُمْ) ـ أي الأصنام ـ (إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر ٣٩ / ٣].
وقوله : (لَنْ) لنفي التأبيد ، أي لا يقع منا هذا أبدا ؛ لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلا ، لهذا عللوا اعتقادهم بقولهم :
(لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) أي إذا دعونا غير الله ، لقد قلنا باطلا وكذبا وبهتانا. والشطط في اللغة : مجاوزة الحد ، والبعد عن الحق. والمعنى : لقد قلنا إذن قولا شططا. وهذا يدل على أنهم دعوا لعبادة الأصنام ، ولامهم الملك على ترك عبادتها.
__________________
(١) تفسير الألوسي : ١٥ / ٢١٧