قومكم وفارقتموهم عزلة مادية بالمفارقة بالأبدان والمقر والمقام ، وعزلة معنوية بمخالفتهم في دينكم واعتزالكم معبوديهم غير عبادة الله وحده.
وقوله : (إِلَّا اللهَ) إما استثناء متصل أو منقطع كما ذكرنا ، ويجوز أن يكون كلاما معترضا ، إخبارا من الله تعالى عن الفئة أنهم لم يعبدوا غير الله.
وفارقوا قومكم جسديا ، والجؤوا إلى الكهف (الغار الواسع في الجبل) بعد فراقهم روحيا ، وأخلصوا العبادة لله في مكان خال بعيد عن أهل الشرك ، فإن فعلتم ذلك يبسط الله عليكم رحمة يستركم بها من قومكم ، ويسهل لكم من أمركم مرفقا ، أي أمرا ترتفقون به وتنتفعون.
حالهم في الكهف وانحسار الشمس عنهم :
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ ...) أي وترى يا محمد أو كل واحد يصلح للخطاب الشمس حين طلوعها تميل عن كهفهم جهة اليمين ، بأن تقلص شعاعها بارتفاعها ، حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان ، وتراها عند الغروب تبتعد عنهم وتتركهم لا تقربهم وتعدل عنهم جهة الشمال ، والحال أنهم في متسع من الكهف ووسطه ، فيأتيهم الهواء باردا لطيفا.
وليس المراد الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقا ، بل الإخبار بكون الكهف في مكان لا تؤثر فيه الشمس أثناء طلوعها وغروبها ، أي أنهم طوال نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها ، مع أنهم في مكان واسع منفتح معرّض لإصابة الشمس ، لولا أن الله يحجبها عنهم.
مكان الكهف :
ذكر المؤرخون أقوالا في تعيين مكان الكهف ، فقيل : هو واد قريب من أيلة في العقبة جنوب فلسطين ، وقيل : عند نينوى في الموصل شمال العراق