وأما الصنف الثاني وهو الذي يريد الدار الآخرة ، ويعمل لها عملها من الطاعات ، وكان مؤمنا ؛ لأن الطاعات لا تقبل إلا من مؤمن ، فيكون عمله مقبولا غير مردود.
٢ ـ اقتضت حكمة الله ورحمته أن يرزق المؤمنين والكافرين ، فلا يكون عطاؤه محبوسا ممنوعا عن أحد ، غير أن الناس في الدنيا متفاوتون في الرزق ، بين مقلّ ومكثر ، ولا يرتبط التفاوت في الرزق بالإيمان والكفر ، فقد يكون مؤمن غنيا وآخر فقيرا ، وقد يكون كافر موسرا مترفا وآخر معسرا معدما.
أما في الآخرة فدرجات تفاضل المؤمنين أكبر وأكثر ، فالكافر وإن وسّع عليه في الدنيا مرة ، وقتّر على المؤمن مرة ، فالآخرة لا تقسم إلا مرة واحدة بأعمالهم ، فمن فاته شيء منها لم يستدركه فيها.
٣ ـ إن هذه الآية : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) مقيدة لإطلاق آية هود: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها ، وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) [١٥] وآية الشورى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [٢٠].
٤ ـ في الآية نفسها (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) فوائد ثلاث :
الأولى ـ العقاب مضرة مقرونة بالإهانة والذم الدائمين.
الثانية ـ إن الرفاهية في الدنيا لا ينبغي أن يستدل بها على رضا الله تعالى ؛ لأن الدنيا قد تحصل مع أن عاقبتها المصير إلى عذاب الله وإهانته ، وهذا تنبيه للجهال الذين يغترون بالدنيا إذا أقبلت عليهم ، ويظنون أن ذلك لأجل كرامتهم على الله تعالى.