لعدم تصديقه لهما ، ولجحده للربوبية الحقة ، ثم إنه خص موسى بالنداء بعد خطابهما مراعاة لرؤوس الآي ، ولما ظهر له أنه الأصل المتبوع ، وهارون وزيره وأخوه وأراد أن يقول : من هذا الرب الذي بعثك يا موسى وأرسلك؟ فإني لا أعرفه ، وما علمت لكم من إله غيري.
فأجابه موسى :
(قالَ : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) أي قال موسى : ربنا هو الذي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يليق به ، ويطابق المنفعة المنوطة به ، كاليد للبطش ، والرجل للمشي ، واللسان للنطق ، والعين للنظر ، والأذن للسمع.
ثم أرشدهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم ، فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له ، إما اختيارا كالإنسان والحيوان ، وإما طبعا كالنبات والجماد ، كقوله تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى ٨٧ / ٣] أي قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ، أي كتب الأعمال والآجال والأرزاق ، ثم مشى الخلائق على ذلك ، لا يحيدون عنه ، ولا يقدر أحد على الخروج منه. والآية لإثبات الصانع بأحوال المخلوقات.
(قالَ : فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) بعد أن أخبر موسى فرعون بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق ، وقدر فهدى ، شرع يحتج بالقرون الأولى ، قائلا : إذا كان الأمر كذلك ، فما حال وما شأن الأمم الماضية ، لم يعبدوا ربك ، بل عبدوا غيره من الأوثان وغيرها من المخلوقات؟ فأجاب موسى :
(قالَ : عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ ، لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) قال موسى : إن كل أعمالهم محفوظة عند الله ، مثبتة عنده في اللوح المحفوظ ، يجازي بها ، لا يخطئ في علم شيء من الأشياء ، ولا ينسى ما علمه منها ، فعلم الله محيط بكل