(كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي خلقنا أصناف النبات ، بعضه للإنسان ، وبعضه لطعام الحيوان ، فكلوا وتفكهوا مما يناسبكم ، وارعوا أنعامكم (الإبل والبقر والغنم) في الأخضر واليابس ، إن فيما ذكرت لكم لدلالات وحججا وبراهين لذوي العقول السليمة المستقيمة ، على أن الخالق لا إله إلا هو ، ولا رب سواه.
وبعد أن ذكر الله تعالى منافع الأرض والسماء ، بين أنها غير مطلوبة لذاتها ، بل هي وسائل إلى منافع الآخرة ، فقال :
(مِنْها خَلَقْناكُمْ ، وَفِيها نُعِيدُكُمْ ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) أي من الأرض مبدؤكم ، فإن أباكم آدم مخلوق من تراب ، والنطفة المتولدة من الغذاء مرجعها إلى الأرض ، لأن الغذاء الحيواني من النبات ، والنبات من امتزاج الماء والتراب.
وإلى الأرض مصيركم بعد موتكم ، فتدفنون فيها ، وتتفرق أجزاؤكم حتى تصير من جنس الأرض ترابا.
وسوف نخرجكم من قبوركم في الأرض مرة أخرى بالبعث والنشور ، والمعنى : من الأرض أخرجناكم ، ونخرجكم بعد الموت من الأرض تارة أخرى. والغرض من الآية هنا تنزيه الرب نفسه وتذكير فرعون بأصله وأنه من تراب عائد إليه ، فلا يغتر بدنياه وملكه ، وليعلم أن أمامه يوما شديد الأهوال ، يسأل فيه عن كل شيء ، ويحاسب على أعماله.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فِيها تَحْيَوْنَ ، وَفِيها تَمُوتُونَ ، وَمِنْها تُخْرَجُونَ) [الأعراف ٧ / ٢٥] ، وقوله سبحانه : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ، فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ، وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء ١٧ / ٥٢].